الأحد، 14 نوفمبر 2010

مناطق نفوذ


مناطق نفوذ

هو وصديقه يجلسان على باسطة دكان البقالة المطلة على الشارع الرئيسى، يتحاوران منذ أن انتهيا من صلاة الفجر ، على امتداد بصرهما محصول أرز الشعير مفروشا بالشارع أمام بيت الحاج متولى الزعاق ، يحد بدايته ونهايته جراره الزراعي وعربته الكارو ، أحيانا يتطلع من شرفة بيته للاطمئنان عليه قبل وضعه فى جوالات بعد تحميصه كما يعتقد، الطريق مختنق أمامه ، متعرج كالثعبان  ، غير منتظم فى كثير من أجزائه ، بالكاد يسمح بمرور المارة ، أنها منطقة نفوذه كما يظن ، دخان كثيف آت من الحقول القريبة غطى السماء، كان بسبب حرق قش الأرز المتخلف فى الحقول ، ما زال الحوار مشتعلا بين سليمان وصديقه –
- تغير البيئة من الأسباب الرئيسية فى طبيعة الإنسان والحيوان ... بل وكل الأشياء .
بصوت عال قاطعه سليمان:
- بل التغير بسبب الجهل.
لفت انتباههما قطة تتقدم أولادها الصغار متجهة نحو محصول الأرز المفروش على الأرض ، تتوقف عن المسير فيتوقف أولادها الصغار ،تتطلع يمنة و يسرة فيقلدونها ، يبدوا أنهم فى بداية عهد جديد بعالمهم الخارجى ، ربما تعلمهم أو تعودهم على اقتناص فأر ، إنه عدوهم اللدود ، بالغريزة والفطرة يدركون ذلك ، استقروا جميعا فوق الأرز المفروش بجوار مقطورة الجرار الزراعي ، كل أحاسيسهم وعيونهم نحو أمهم ، فجأة ظهرت أم عُرس من البيت الخرب الذى يلاصق دكان البقالة ، تصرخ محتجة ، تهرول بفوضى فى كل اتجاه بحثا عن فريسة لها ، تتوقف لحظة خاطفة ، تُحدد هدفها ، لها طرق ملتوية خبيثة فى كيفية اقتناص الفرائس أو الدفاع عن نفسها ، تأهبت القطط الصغار بغريزتها لمهاحمتها، بفطرتهم يدركون أنها عدوتهم ،كانت عيونهم مصوبة نحو أمهم لأخذ التعليمات منها ، مرت أم عُرس  أمام الأم فى هدوء وسكينة دون أن تحرك ساكنا، التبس الأمر على صغارها. أخذت أم عُرس تزعق وهى تجرى يمنة ويسرة دون رادع لها . انتهت رحلتها لتستقر فى البيت الخرب مرة أخرى ، إنه بيتها ومنطقة نفوذها ، القطط الصغار تتطلع لأمهم بنظرات متسائلة مستفسرة ، أخرجهم من حيرتهم نباح كلب صغير ، انتصبت آذانهم على الفور تجاه النباح وعيونهم ترصد تحركاته ، هربوا مختفين تحت مقطورة الجرار الزراعي بمجرد أن اقترب منهم الكلب دون استشارة أمهم ، تأهبوا للدفاع عن أنفسهم إذا اقتضت الضرورة ،زمجرت أم القطط فى وجه الكلب وهى تلوح برجليها الأماميتين فى الفراغ ، تسمر الكلب فى مكانه ، أصدر نباجا مكتوما وهو يهز مؤخرته وذيله فى ود، أيقن الصغار أنه مجرد تعارف ،اختلف الأمر عليهم ، اقتربوا من أمهم فى حذر مشوب بالخوف ، أخذ الكلب يتشمم تحت رجليه ، بال ، تراقص رقصات حميمية ، عاد تجواله من جديد ، لم تكن منطقة نفوذه ، كان ما زال سليمان يحاول فرض آرائه على صديقه المشغول بفرار الكلب ، شقشق الصباح ، بدت معالم الطريق واضحة ، توافد بعض الزبائن على المقهى القريب منهما ، كان المعلم صبحي يعبث بريموت التلفاز ، يغير من قناة إلى أخرى ، توقف أمام نشرة الأخبار:
- الرئيس يستغل نفوذ منصبه للفوز بمرحلة خامسة لرئاسة الدولة.
- أمريكا وروسيا يختلفان معا على مناطق نفوذهما .
عاود العبث بالريموت مرة أخرى ، استقر رأيه على قناة الأفلام ، أخفى الريموت داخل جيبه حتى لا يعبث به أحد الزبائن ، نفوذه تطغى عليهم جميعا ، الشمس تتراقص فوق حصيرة محصول أرز الحاج متولى ، بوابة بيت الصول سعيد الشقى أخذت تصرخ ، إنه موعد خروجه لعمله فى مركز الشرطة المستقر فى الجهة الأخرى من النهر ، ربما تكون سيارة الشرطة فى انتظاره ، أو يركب معدية تجمع النساء مع الرجال أو الحمير والبهائم وخاصة يوم السوق أو أى مناسبة كعيد الأضحى ، مرق من بوابته الضيقة بزيه العسكري الذى يفضله ويتباهى به أمام أهل الحى ، تدحرج بخطوات غير منتظمة حتى أصبح فى قبالة سليمان وصديقه غالب ، رنت فى أذنيه كلمات استوقفته .
- فعلا الثقب الذى أصاب طبقة الأوزون غير أفكار وسلوك الناس والحيوانات ولكن
على الفور صرخ مقاطعا:
- محرمتش تكلم فى السياسة يا سليمان ،............. المرة الجاية لو قبضوا عليك مش هقدر أعمل لك حاجه ............
قاطعه صديقه غالب .
- يا حضرة الصول إحنا بنكلم فى تغير البيئة وآثارها .......
قاطعه .
- اتكلموا فى الكرة،  أو الفن، أو
قاطعه:
- برضه فى الآخر هتوصلنا للسياسة ، يا حضرة الصول أصل السياسة جزء من حياتنا
قاطعه بغضب:
- أنت ابن مين فى البلد يا
- ابن السيد حطب يا حضرة الصول .
- أبوك راجل طيب بيمشى جنب الحيط ،................. الظاهر إنك طالع بيضه فاسدة ،................ عموما لما أرجع من الشغل هعرف أبوك كل حاجه ومشيك مع الواد سليمان الفسدان .
انطلق الصول سعيد خشية أن يتأخر عن عمله ، كانت الحياة قد دبت فى الشارع الرئيسى . الشمس بسطت نفوذها فوق حصيرة أرز الحاج متولى ، كان مسمرا أمامها وممسكا بعصى غليظة محذرا المارة  ، فتح محل البقالة بابه ، كان يديره الصول سعيد فى الخفاء ، توقف الحوار بين سليمان وصديقه . ظن أنه قد اكتسب نفوذا جديدة تمكنه من دعم أفكاره ، مرق بعرجائه عبر الشارع متجها إلى بيته القريب ، كان قد أُصيب بمرض شلل الأطفال عندما كان طفلا صغيرا ، ودعه صديقه ببرود شديد.


من مجموعة سيسقط البيت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق