الأحد، 14 نوفمبر 2010

سيادته موجود


سيادته موجود
يشير بيديه إلى مجهول ، عن يمينه محطة الركاب التى سميت باسمه ، تبدأ منطلقة من تحت أرجله ، ربما الجامعة،..... السوق أو المجزر أو .., الصراع قائم على مقعد خال يغتنمه أحدهم قبل الآخر ، من يستطع دفع الركاب بقوة وجرأة شيطانية يكن هو الفائز ، اللصوص دائما جاهزون لنشل ما فى جيوب الركاب فى اللحظة المناسبة ، إنه عملهم المقدس ، يجيدونه بإتقان وبراعة ، كل ذلك يتم تحت مظلة سيادته ،يقف مسمرا بقامته الطويلة الممتدة ، لقد زرعوه فى قلب الميدان منذ زمن بعيد ، صامت لا يتكلم ، شرطي المرور يقف فى مواجهته ممسكا بقلمه ودفتره لكبح جماح الحافلات الطائشة ، لا يعيره انتباها، امرأة عجوز كلت من البحث عن مقعد خال ، كانت لديها موعد بالمستشفى العام ، أخيرا وجدت ضالتها المنشودة ، وهى تهم بالركوب فاجأها السائق ذو الوجه الملتوي بصوته الحاد.
-        الميكروباص عطلان يا ....
لم تيئس ، عاودت البحث من جديد ، صفارات شرطي المرور تزعق فى الميدان ، تضيع بين صخب وضجيج الركاب ، الباعة ملتفين حول تمثال سيادته ، اسندت العجوز ظهرها عليه ، عادت بذاكرتها إلى الوراء عندما كانت فتاة صغيرة .
-   لم يكن لهذا التمثال أو الميدان وجود من قبل، كانت الحافلات الحكومية الضخمة تقف مسمرة فى انتظار الركاب ، كبار السن لهم  الأولوية حتى لو أتوا متأخرين ، ينهض صغار السن مفزوعين من فوق مقاعدهم لٍيجلسوهم مكانهم ، الجميع يعرف بعضه كأسرة واحدة، و.....، و......
-         ضاعت أشياء كثيرة ما زالت عالقة بذاكرتها.
 فجأة وجدت أمامها حافلة بها مقاعد خاليه ، لم تصدق عينيها ، قبل أن تمرق داخلها رن فى أذنيها صوت مساعد السائق الجهوري:
-        الإستاد وبس ،..... الإستاد بس
    قاطعته فتاة ناهدة تقف بجوارها .
-        خط سيره .....
قاطعها صارخا:
-        أنتِ هتمشينى على مزاجك يا أستاذه، علىَّ الطلاق ....
انطلقت الحافلة مزمجرة ، اختفت من أمام العيون ، أدركت العجوز أنها لن توفق فى الحصول على مقعد خال إلا بمساعدة  آخرين، توسمت خيرا فى شرطي المرور. كان مشغولا بتسجيل أرقام الحافلات المتغطرسة التى لم تتفاهم معه بعد ، أعطته العجوز ظهرها ، عيناها تجوب الحافلات  بحثا عن بغيتها ، سقطت فوق تمثال الرئيس القائم وسط الميدان ، تفرست قسمات وجهه لأول مرة ، لم تتآلف معها أو تحس بالارتياح نحوها لكنها على أى حال تشبه كثيرا صورته التى تحتل الشوارع والتلفاز ، فجأة تسمرت حافلة أمامها، مقاعدها مشغولة إلا المقعد الأمامي، اندفعت نحوها بلهفة وأمل ، وهى تفتح باب الحافلة نهرها السائق الذى ينفث دخان سيجارته بشراهة.
- محجوز يا ..
لم تسمع لكلماته جيدا بسبب ضجيج المسجل . كان ينطق بأغنية
– بحبك يا حمار ....
فهمت العجوز من تعبيرات وجه السائق أن المقعد محجوز، كان دخان سيجارته يتصاعد أمام عيون الركاب ، اقتربت فتاة فائرة من المقعد الخالي، شعرها ينسدل على كتفيها،فستانها ينحسر قليلا عن قدميها،تمتلك قدرا وافراً من الجمال ، أخذ يتطلع إليها بعينين نهمتين ، أشار لها على المقعد الخالى ونظراته مثبتة فوق صدرها.
- رايح فين يا جميل.
- السوق.
- يبقى طريقنا واحد .
أحس أنه وجد ما يبحث عنه ، بكلمات ذات معنى أخذ يلاحقها ، على الفور أدركت ما يرمى إليه ، تجاهلته ، امتدت يده إلى مناطق تخدش الحياء فى الخفاء بحجة أنه يغلق الباب الذى يلاصقها ، فجأة انفجرت فيه بكلمات جارحة .
- أنت .....,و......
كانت العجوز تتابعه فى حسرة وألم ، ما زالت أفكارها مرتدة إلى الخلف عندما كانت فتاة صغيرة ، دفع السائق وصاحب الحافلة أيضا الفتاة بوحشية، كادت تسقط على وجهها ، انهمرت منها كلمات مشينه، سقطت فوق رأسه ، لطمها على وجهها ، بأظافرها نالت منه ، أخرج من جيبه مطواة يهددها ، الركاب مقيدون فوق مقاعدهم ، يستمتعون للأغنية التى تنطلق من صوت مسجل الحافلة
- بحبك يا حمار ...
أخذت العجوز تمسح على شعر الفتاة بحب وحنان ، بعينين شاردتين أدارت بوجهها ، سقطت فوق تمثال الرئيس ، كان يتطلع إلى الفراغ الذى يحتويه.


من مجموعة سيسقط البيت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق