الأحد، 28 نوفمبر 2010

بمناسبة الانتخالات المصرية - قصة نزيف داخلى




بمناسبة الإنتخابات فى مصر أود أن تقرؤوا هذه القصة وتعلقوا عليها وهى أول قصة بالمجموعة القصصية التى بعنوان  ( سيسقط البيت ) أظن أن تلك الإنتخابات لم تتغير ولن تتغير طالما النظام هو نفس النظام وإليكم هذه القصة


نــــزيف داخـــــلي
بقلم / علي علي عوض
تمنى أن يفعلها ، على مدى أربع مرات متتالية فشل في تحقيقها ، دائما يوصدون الأبواب في وجهه ، هذه المرة عمل كل احتياطاته ، ارتدى أفخر ما عنده من ثياب بعد أن تناول فطورة بإسراف شديد على غير عادته ، لمع حذاءه الجديد ، غسل فمه بالفرشاة والمعجون ، حلق لحيته ورش عليها كولونيا أجنبية أتى بها من الخارج ، جمع كل أوراقه التي تؤكد شخصيته وحسن سير سلوكه ، وزيادة في الاطمئنان أخذ معه شهادة تؤكد أنه لم يصدر عليه أي أحكام من قبل ، كل همه الأن تحقيق هدفه قبل أن تأتيه المنية ، لقد تجاوز الستين بقليل ، يعتقد أنه مواطن صالح ، هب مندفعا نحو صناديق الاقتراع والقلق يساوره ، دائما  يتخذون المدارس مقرا أمينا لهذا الغرض . كان يقبض على بطاقته الانتخابية بكل عزة وشمم ، الطرق المزروعة بالحفر والقاذورات لن تقلل عزيمته ، أسماء المرشحين من الحزب الوطني تحتل الجدران والشرفات والميادين ، عند مفترق الطرق المؤدي للمقر الانتخابي كانت هناك مئات من الجنود والضباط بحوزتهم أسلحتهم ورشاشاتهم . ظن أنه أخطا المكان ، زادت شكوكه عندما وجد المدرعات تتمركز في ساحة المدرسة ، أقصد المقر الانتخابي ، لولا أنه متيقن من المكان لأيقن أنه ثكنة عسكرية ، الأسطح القريبة من المقر تم احتلالها ، الناخبون محتشدون في انتظار فتح الباب الرئيسي ، أخذ يصارع حتى أصبح في مقدمة الطابور ، الناخبون سهلوا له الأمر باعتباره رجلاً مسناً ويبدو عليه  أنه رجل مهم أيضا ، أسعده هذا كثيرا لقد أكد له المسؤولين مرارا بأن الانتخابات ستكون نزيهة وشفافة ، أيضا سيشرف عليها قضاة . قطعا سيفتحون له باب المقر حتى يدلي بصوته .
-         انه يعتقد أنه مواطن صالح ، يدفع الضرائب و نظافة المدينة و .......و...........و........... يحب بلده وجيرانه ويتمنى لرئيس الدولة دوام الصحة والعافية هو وكل المسؤولين ، يرفض الجلوس على المقاهي ولا يدخن المخدرات والبانجو ، متحيز للفنانين والفنانات والراقصين والراقصات الأحياء منهم والأموات . لايعترض الأفلام الساقطة أو غلاء الأسعار ، أو تلوث مياه الشرب أو هرمنة المحصولات أو استخدام المواد المسرطنة ، لا يجد غضاضة في أن يقف أمام الفرن بالساعات ليحصل على عدة أرغفة من الخبز ، عندما غرقت السفينة في البحر الأحمر ومات ابنه المهندس سامي لم يشتك أو يتبرم ، لم يسمعوا له صوتا عندما تم القبض عليه لتشابه الأسماء طبعا . كل هدفه الإدلاء بصوته في الانتخابات قبل أن يموت ....... انه يتمتع بكل حقوق المواطنه ويعتقد أنه حر .
مضى عليه ساعة في انتظار أن يسمحوا له بالدخول إلى المقر الإنتخابي ثم ساعتين وثلاثة و ..... أحس أن قدميه تكاد تخونه ويسقط من فوره . كان كبير الضباط يبعث دخان سيجارته بتلذذ . سأله بصوت جهور .
-         هتنتخب مين يا ...........
-         كان يفصله عنه سياج حديدي .
-         خدامك صابر وسانتخب كل رجل شريف يخدم بلده و........
-         في التو كشر كبير الضباط عن أنيابة ، لم يفهم سببا لتحوله ، لقد قضى وقتا طويلا هو وأولاده بعيدا عن بلاده . ظن أن كلماته أساءت إلى كبير الضباط بغير قصد . بعد تفكير أيقن أن الكلمات أصبحت تحمل معاني أخرى غير التي تعلمها من قبل ،لم يشغله هذا الأمر كثيرا ، كل ما يهمه هو الإدلاء بصوته حتى يؤكد لنفسه أنه مواطن صالح ، اعتقد أنها مجرد عملية وقت لتطبيق النظام ، تساءل عن بقية اللجان الأخرى. أكدوا له أن الأمور متشابهة تماما وأن الوضع في المقرات الأخرى لا يختلف كثيرا باستثناء بعض اللجان ، كانت مفتوحة على مصاراعيها حساب لكل من يحمل بطاقة حمراء ، قانية اللون ، براقة ، السدود والحواجز تختفي من أمامها ، الرقاب تنحني أمامها ، الشمس تصب غضبها فوق رأسه الخالية من الشعر ، انتصف النهار ، الجوع والعطش يهاجمانه ، الضجيج والصخب يخترق أذنيه ، الجنود المتنمرة تلف الناخبين بنظرات فاحصة ثابتة ، عيون حادة مصوبة نحو رؤوسهم ، نفذت داخلها ، يبدو أنها كشفت ما يدور بها ، ضاع أمل عم صابر بعد أن ناجاه كبير الضباط قائلا
-         انتم واقفين ليه ..... مفيش انتخابات ....... انتم فاهمين غلط و........
-          تعالت الصيحات والهتافات المعادية ، على الفور صب الجنود عليهم غضبهم من قنابل مسيلة للدموع ، هراواتهم وأسلحتهم ، اندفع الناخبون بفوضى في كل مكان ، ساد الهرج والمرج ، لم يصدق العم صابر ما يجري أمام عينيه ، لقد تغير كل شيء في البلاد عما قبل دون أن يشعر ، أصابته هراوة طائشة في رأسه ، سقط صريعا على الارض ، داسته الاقدام الفارة المذعورة ، رأسه الصلدة لم تصب بأي جروح ظاهرة ، انها عنيدة ، قبضوا على كل من حاول إنقاذه . كان فاقدا الوعي ، عيناه تبرقان تجاه المقر الانتخابي ، لسانه ممدودا خارج فمه ، كان مازال يقبض على بطاقته الانتخابية الناصعة البياض ، لم تكن حمراء قانية ، لفظ أنفاسه الاخيرة ، كان قد أصابه نزيف داخلي  .