الأحد، 14 نوفمبر 2010

المقهى للبيع



المقهى للبيع

بقلم / علي علي عوض

هدموا المسجد ، أخذوا منه ما يكفيهم لتكملة الميدان ، كان يقف عثرة فى طريقهم ، أخيرا استطاعوا زرع تمثال الرئيس داخل الميدان ، أطلقوا عليه ميدان الحرية ، الجزء المتبقي من أرض المسجد عرضوها للبيع فى المزاد ، بأساليب ملتوية رسى على المعلم عبد الجبار ، أقام على هذه الأرض مقهى حديثا ، أصبحت تطل على ميدان الحرية ، المعلم عبد الجبار طلى جدرانها بالزيت ، كساها بصُوٍره وصور كبار المسؤولين ، صورة الرئيس ذات الإطار الذهبي احتلت صدر المقهى ، زيادة فى التقرب إليه والتبرك به أقام له تمثال فى مدخلها ، إنه يشبهه تماما ، افتتح المقهى مسؤول كبير ، إنها ذات طابع شعبي ، معظم زبائنها من العمال والفلاحين ، مشروباتهم لا تخرج عن الشاي والحلبة واليانسون ، أما ركن المثقفين فكانوا يفضلون القهوة والشيشة ، المعلم عبد الجبار لا يشعر بالارتياح نحوهم ، عندما يقترب منهم يتوقفون عن الكلام ، حتى لو تنصت عليهم لا يفهم شيء ، إنه أكثر تآلفا مع ركن المدمنين ، الجوزة هى شعارهم المفضل، دائما  يلقمها بقطع صغيرة من الحشيش التى يحتفظ بها داخل جيبه المختفي ، الحجر لا يستقر معه إلا شدة نفس واحدة ، لا يفقد وعيه ، ذو خبرة وكفاءة عالية ، كل المدخنين والمدمنين يشهدون له بعبقريته ، كانت لهم مقاعد مميزة ، بل كل ركن من المقهى له مقاعده وزبائنه ونظامه الصارم الذي وضعه المعلم عبد الجبار بنفسه ، كان طيب القلب ، يعطف على الفقراء المدمنين ببعض الأنفاس المغموسة بالحشيش دون مقابل ، يعتبرها صدقة مخفية ، لذلك كان الحظ والتوفيق بجانبه دائما ، لقد امتلأت جيوبه وانتفخت بالمال ، حتى يكسب المزيد عمل ركنا للمرأة ، كان يفصله عن بقية المقهى ستارة سميكة لا تشي بهن عندا يتحررن من بعض ملابسهن ، لكنها فشلت فى كتم ضحكاتهن المائعة   ، كانت تشد الآذان والأفئدة نحوها ، لقد عسكر المعلم عبد الجبار بمقعده الدائري بالقرب من تلك الستارة، أيضا أقسم ألا يقوم بخدمتهن غيره ، فجأة مات الرئيس مسموما ، المعلم عبد الجبار أقام له عزاء خاص أمام المقهى ، أيضا أغلقها لبضعة أيام ، تم إعادة طلاء جدرانها بالزيت ، أزاحوا تمثال المرحوم من أمامها ليضعوا تمثال الرئيس الجديد ، أيضا غزت جدران المقهى صُوَره بأشكالها المختلفة ، أفخمها صورته ذات الإطار الذهبي التى حلت محل صورة المرحوم الرئيس ، المعلم عبد الجبار أقام بعض التعديلات بالمقهى ، أبرزها إزالة الستارة التى كانت تفصل ركن المرأة عن بقية المقهى ، البيبسى والكوكولا والبيرة سادت على كل المشروبات الأخرى ، ابتلعت المقهى بعض البيوت التى كانت تلاصقها ، أطلقوا عليها مؤخرا المقهى الانفتاحي الحديث ، أما ركن المثقفين فقد غزاه وجوه جديدة ، ذات لحى كثيفة ، كان يكن لهم كل حقد وكراهية ، لقد عوضه عن ذلك حفلات الرقص والغناء التى أصبحت تقام بصفة ثابتة ، أيضا جلب له الغريب الذى أصبح شريكا بالمقهى مغنيات وراقصات أجنبيات ، تحولت المقهى أقرب ما يكون للملهى ، لا تتوقف عن العمل ليلا أو نهارا ، ظهر ركن جديد أطلقوا عليه ركن المستثمرين المنفتحين ، تكالبت الزبائن على المقهى من كل صوب ،  توحشت ،ذاع صيتها ، اختفى منها ركن العمال والفلاحين ليحل محله ركن الكسيبة كما أطلقوا عليه ، إنهم يجيدون اقتناص المال دون تعب يذكر ، فجأة أُغْتيل الرئيس ، تم طلاء المقهى من جديد ، لم يكن لها لون واضح المعالم ، رُشقت جدرانها بصور الرئيس الجديد ، الصورة الكبيرة احتفظت بإطارها الذهبي القديم بعد أن تم دس صورة الرئيس الجديد عنوة داخله ، أحدث ذلك شرخا عظيما داخلها ، ابتلعت المقهى كل ما حولها من بيوت ، لم يقف فى وجهها إلا ميدان الحرية ، امتلأت جدرانها بلاعبي كوره مشهورين وراقصين وراقصات ومغنيات ، زاد نشاط المقهى ، أُفتتح ركن جديد يجمع نساءً ورجالاً داخل حجرات مغلقة ، يرقصن ، يلهون  ،و.... ،و...،و.... .
 كل هذه النساء كانت مباحة للمعلم عبد الجبار وأولاده ، أنه يفضل الأجنبيات ، حتى يكتسب مزيدا من الزبائن أدخل البانجو الشعبي بالمقهى ،كان يزرعه فى مزارع خاصة به ، أسرف فى تناوله ، أصابت خلايا مخه ، انتابته فجأة نوبة قلبية مفاجئة ، أظفرت عن جلطة ، توقف قلبه عن  النبض تماما ، أيضا توقف نشاط المقهى بعد أن اختلف الغريب مع ورثة المعلم عبد الجبار ، عُرضت المقهى للبيع فى مزاد علني ، كانت من نصيب الغريب بكل مقتنياتها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق