الأحد، 14 نوفمبر 2010

المخرج ( من مجموعة سيسقط البيت )

المخرج
له نظرة ثاقبة ، اكتشف كثيراً من الممثلين والممثلات، يُوظف كل فنان فى الدور الذى يناسبه ببراعة وإتقان ، يخرج ما بداخل نفوسهم بسلاسة ويسر ، ، كل الممثلين الكبار هو صانعهم ، إنه إمبراطور الإخراج ، بصماته واضحة فى كل مكان ، الحقيقة خيال والخيال واقع حسبما يريد،  يخلق أساطير من العدم ، كل الإمكانيات متاحة له ، يعتمد على الخداع ، كل الذين يعملون معه من مصورون وغيرهم مهيئون لتنفيذ أفكاره وتصوراته ، عندما اكشف الممثل " مبارك المنسي " كان فخورا به ، أكد أنه معجزة ، سيلعب الأدوار التي سيعجز عنها كل الممثلين السابقين وربما اللاحقين أيضا. كانت البداية معه في فيلم " الحرامي " السارق لأموال الشعب وتهريبها خارج البلاد ، لقد قام بهذا الدور كثيرا من الممثلين السابقين قبله ، لم يحققوا نجاحا باهرا مثله ، لقد ابتكر أفكاراً ورؤى جديدة تختلف عما قبل ، وعندما قام بدور الضابط العظيم للمسلسل التليفزيوني " تشابه أسماء " أكدوا أنه ممثل عملاق فذ عبقري ، لقد جسد دوره في تعذيب المسجونين السياسيين بصدق كامل ، لإ يمكن أن تفصل بين الخيال والواقع ، الجميع يدرك جيدا بصمات المخرج العبقري عن شخصيته  في فلمه الجديد، كان يجمع متناقضات كثيرة في وقت واحد، لقد أدى ثلاث أدوار متباينة  جمعت بين الشيخ والقس  والزنديق ، لعبها جميعا بكل إتقان وبراعة، يخرج من شخصية ليدخل في أخرى ثم ثالثة  دون حدوث أي خلل في الأدوار ، لقد حصل على جائزة أعظم ممثل في هذا الفيلم ، ذاع صيته في كل المهرجانات ، أراد المخرج العبقري أن يجهزه للعالمية فأعطاه دورين جديدين في فيلم العولمة ، دور مستثمر يهودى، وآخر مستثمر وطنى ، إضافة إلى دور العميل ، كانت له قدرة عجيبة في تفمص الأدوار ومعايشتها جميعا في لحظة واحدة. الفضل الكبير يرجع للمخرج العبقري بسبب توجيهاته الرائعة ، لقد شكله كما أراد         ، أصبح الفنان الرائع " مبارك  المنسي" محبباً للمسئولين خاصة الرئيس . لحسن الطالع كان يوجد ثمة تشابه بينهما ، زاد ذلك من أواصر المحبة والتقارب بينهما، عندما طلب منه أن يمثل دور الزعيم ، قال له بثقة :
-        هذا الدور كنت أحلم به دائما.
لقد تألم المخرج كثيراً ، كيف يدلى الفنان "مبارك المنسى "بهذا التصريح دون الرجوع إليه ، إنه المسئول عنه فى كل شيء ، فى اختيار ملبسه ، طعامه ، أناقته ،  اختيار الدور الذى يقوم به ، وافق على مضض بعد تدخل الرئيس شخصيا ،أيضا وعده بتسهيلات ومكافآت ضخمه ، شحذ الفنان مبارك المنسى كل قواه لينل ثقة الرئيس ، قضى بضعة أسابيع فى مصيف خاص ، وفروا له كل ما تطلبه نفسه سواء كان شرعيا أو غير شرعى ، أشبع كل حرمانه ورغباته المكبوتة ، أخيرا بدأ المخرج فى تصوير الفيلم ، كان الرئيس يحضر بنفسه لمتابعة بعض اللقطات ، إنه يعيش مع البطل بكل كيانه فى تلك اللحظات ، أيضا كان يعتقد أنه تحد واضح فى شخصه لكل الحاقدين والقوى الانهزامية، كان المخرج يوجه البطل فى كيفية إخراج الحروف من فمه أو النظرة المخادعة مع كلماته اللينة ، لقد أصبحت له مدارس عديدة فى الإخراج تُدَرس فى أنحاء العالم ، انتهوا من الفيلم ، عندما شاهد الرئيس البروفة النهائية قبل العرض لم يصدق عينيه ، لقد حسم البطل كل أحاسيسه الفياضة التى لم يكتشفها إلا فى تلك اللحظة ، الإعلانات الجبارة غطت كل الجرائد والتلفاز ، اللقاءات المستمرة والمؤتمرات شوقت المشاهدين والجمهور لمشاهدته، تم عرضه فى جميع دور العرض والتلفاز وكل مكان فى لحظة واحده ، سقط الفيلم وبطله والمخرج إلى الأبد  بكل أقنعته الحديثة والخبيثة ، نجح الجمهور فى كشف الزيف والخداع ، الرئيس أكد أن المتفرجين الأغبياء لم يفهموا حقيقة الفيلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق