الأحد، 14 نوفمبر 2010

الحمار يعرف كل شىء- دراسة نقدية بقلم الدكتور عبد الحميد القط

الحمار يعرف كل شىء
مجموعة قصصية
تأليف  الكاتب على على عوض
دراسة نقدية بقلم الدكتور عبد الحميد القط
مجموعة قصصية تعتمد على الرمز والتجريد ، وتغريب الواقع . الأمر الذى يجعلها مجموعة تستحق الدراسة باعتبارها تمثل أسلوبا فنيا متميزا للكاتب وفى الوقت ذاته تمثل أسلوبا جديدا فى التعبير عن قضاياها التى تغلب عليها الموضوعات الإجتماعية والسياسية . وتتخذ المجموعة القصصية عنوانا لها . العنوان الذى أطلقه الكاتب على القصة الأخيرة فى المجموعة والمجموعة تحتوى على سبع عشرة قصة . وأول قصص المجموعة وهى ( شرخ فى الحائط الزجاجى ) قصة رمزية ، تعتمد على واقع غير مؤلوف أو بعبارة أخرى ، تعتمد على تغريب الواقع تخلص إلى هدفها ، وخلاصة ما ترمى إليه القصة هو أن الرضا بما يحيط بالإنسان من أسوار ترمز إلى الإستبعاد هو رضى بالذل والمهانة والإستعباد ، ويوم أن يقتنع هذا الإنسان ، بحقه فى الحرية والتمرد على الإستعباد ، ويعمل على الخلاص من تلك الأسوار التى تكبلٌه بالأغلال ، يصبح حرا ويصبح إنسانا جديرا بالحياة . والأوضاع فى هذه المدينة ذات الأسوار أوضاع مقلوبة . فالناس يسيرون على رؤوسهم . فإذا تجرأ أحدهم وسار على قدميه ، هاجمته حيوانات متوحشة ، وهى ترمز إلى السلطة الحاكمة التى تفرض على الناس هذه الأوضاع المقلوبة ، ومن أراد أن يعيش حرا عليه أن يدفع ثمن هذه الحرية . ويصور هذه الحيوانات وقدرتها على ردع كل من تسول له نفسه ، أن يعيش بشرا سويا ، حتى تجبره ، على السير على رأسه ، كما كان يفعل من قبل ، ويصور ذلك الكاتب بقوله ( لم يخط كل بضع خطوات وهاجمته حيوانات البلدة ، المفترسة ، كانوا يفحون بتواصل عندما تلتقط عيونهم أى كائنات تمشى على رجليها ، يُدارون بإشارات موجهة ، أفواههم مختفية خلف ذيولهم الطويلة ، ينتشرون فى جماعات بالتناوب فى أرجاء البلدة ، يسرقون هواءها الطازج بخراطيمهم المنتشرة على أجسادهم الضخمة ، أرسلوا ومضات خفية نحو رأسه ، فأدارها ببطىء ، فقد القدرة على التحكم فى نفسه ، عادت سورته المقلوبة سيرتها الأولى . ( المجموعة صفحة 7 )
والحرية لاتأتى بغير كفاح فلابد أن تحاول وأن تعانى حتى تصل إليها وأن تكون متسلحا بقيم ثقافية وأخلاقية ، ومتى تسلحت بها وصلت إلى ماتريد وانتصرت على جميع العقبات وتخلصت من كافة المعوقات بل وأصبحت بشرا سويا يسير على رجليه بدلا من السير على رأسه ،  بل وإمتلكت القوى : ( فتح التابوت الأكبر بصعوبة ، تبعه فتح كل التوابيت الأخرى ................ إكتشف كلمات سرمدية  ، قراءها بتفحص . كان من بينها مخطوطات قديمة ، تشع منها هالات من الضوء ، علق أحدها فوق صدره ، على التو أحس بتدفق دم جديد داخله ، فجأة إستعاد توازنه ، وقف على رجليه بثبات لأول مرة ............ ( صفحة 8 ، 9 )
وكان أن وجد أصدقاءه القدامى يحتفظون بأحجبة فوق صدورهم ، فزعت منه الحيوانات المتوحشة ، ولم يجرؤ على مهاجمتهم ونتيجة لتوحدهم وإتحاد فكرهم " ركلوا السور الزجاجى فى لحظة خاطفة ، أحدثوا فيه شرخا عظيما ، تدفق ضوء باهر من خلاله " ( صفحة 9 )
ومن الواضح أن هذا الأسلوب القائم على تغريب الواقع ، والذى يقوم على شخص واحد ، يقتحم الخطر فيتبعه الناس ، ويهدمون سور المدينة ، أو سور الظلم والاستبداد والأحجبة وخريطة البلد القديمة هى رموز للعدل والحق والتراث أو القيم الموروثة . بل أننا يمكن ان نقول أن طلب المغامرة لابد أن ينتهى بالتحرر . ومن القصص التى تعتمد على الرمز وتغريب الواقع قصة ( البيت الكبير ) وهى قصة إنسانية بطلها عجوز تغير الواقع من حولها فلم تعد سيدة تحيا ما كانت تحياه فى رفاهية وإنما تغير هذا الواقع إلى خراب ، فالبيت الكبير الذى تملكة يكاد يتداعى وتعبث فيه الفئران إتلافا وتخريبا ، وهى تحاول المحافظة على البيت وتقنياته الأثرية والفنية ، ولكنها لاتقدر على ذلك ، وهذا البيت الكبير تحيط به بيوت الغرباء التى تصيبه بالضرر وتلقى عليه بما تمتلكه من نفاياتها . والكاتب يعتمد أسلوبا فنيا ممتازا ، إنه يتابع الجدة فى تحركها ، ويتابع ماحولها من خلال رؤيتها له وموقفها منه . فمن خلال هذه الأم العجوز نرى كل ما حولها ، مع وضعها فى أثناء ذلك جسديا مركزا على ضعفها وتهالكها . وتبدأ حركتها مع سماعها صوت طلقات نارية صادرة من التلفاز . لم يبق لها إلا إبنها الأكبر عشماوى المشغول بالتسلية أمام التلفاز ، أما إبنتها فقد هجرت البيت ، وأما زوجة إبنها فبينها وبين الأم مايشبه العداء أو القطيعة . ولكن إبنها الآخر صابر فقد أعتقل وهى تتحدث عنه بحديث غامض لكن ما تركه من تماثيل توحى بأنه كان فنانا . وظلت تغلق حجرته منذ غادر البيت ، ويكون دخولها إلى حجرته أداة فنية لتصوير شخصيته ( تذكرت أن قدميها لم تطآها منذ أن قادوه هناك ، فاجأتها تماثيل لأفراد عائلته جميعا ) " صفحة 14 "
ويصور الكاتب تعاملها مع القئران التى تعيث فسادا فى انحاء البيت الكبير ، وما تبذله من جهد لوقف عبثهم هذا ، ويتحدث الكاتب مصورا رؤية هذه الجدة أو الأم العجوز لما أصبح من السلام بين الفئران والقطط ، كل هذا والإبن وزوجته غير عابئين بشىء من إفساد الفئران لكل شىء بل عن فأرا ينشىء فحرا له يصل بين البيت والخارج ليفر منه متى شاء وليصور الكاتب الخطر الذى يحيق بكل شىء فى البيت . وتتحدث القصة عن الغرباء ، الذين تنتمى إليهم زوجة إبنها ، فهم قد كثروا وانشأوا بيوتا فى الحى الذى يحيط بالبيت الكبير . ثم يتابع الكاتب الجدة بعد إستيقاظها فى تحركاتها المختلفة ليصورها لنا من خلالها مأساتها وآلامها وإغترابها . فقد هرمت اشجار الحديقة ، وتهاوت أعشاش الحمام والأرانب وقد طمع فيها الغرباء وما نالها من تغير . وهى فى أثناء ذلك قطة معتدية تريد إفتراس الأرانب التى أصبحت منهارة البيوت . وخصوصا وأن القطط إتخذت من الفئران صديقة لها . ولكن القطة تهرب عن رؤية حفيد العجوز وفا منه وكان يقبض على حجر ليضربها فلا يصيبها الحجر ولكنه بكسر زجاج الغرفة وهذا الحفيد ملتصق بحدته ملازم لها لايفارقة وهى تحبه وترعاه وكأنه يمثل الرابط القوى لها بالحياة . بينما تكون علاقتها غير طبيعية مع أمه . أما إبنها فمشغول بمشاهدة التلفاز . ولكن الأرنبة تحذر أبئاءها من القطة وتجرح وجهها بمخالبها . ويرتبط بهذا علاقة إبنها صابر المعتقل الذى وعد بالتخلص منها قبل إعتقاله القهر . كما ان الطفل يكون بديلا لعمه المعتقل ويشبهه فى ملامح وجهه وبإنقاذها للأرانب تسترد قوتها وتحتضن حفيدها فى قوة ، وبهذا تنتهى القصة ويكون فى الوقت نفسه قد انهى مشاهدته للتلفاز وهى نهاية موفقة للقصة ، فالكاتب يتتبع الجدة حتى تنتهى من رحلتها فى أنحاء البيت وينتهى صابر الذى كان مشغولا عن العالم وعن كل شىء بمشاهدته للتلفاز . ولنا أن نتساءل هل تختلف هذه القصة عن سابقتها ؟ لاشك أنها تختلف من وجوه وتتفق من وجوه أما وجوه الإتفاق فتمثل فى ان الواقع الذى تصوره القصة بكل تفاصيله هو واقع رمزى وليس واقعيا كالذى يحيى فيه الناس جميعا فالأم العجوز ربما تكون رمزا لمصر والبيت الكبير هو مصر نفسها ، الوطن الذى يحيى فيه المصريون جميعا ولعل الكاتب يريد ان يصور هذا البيت الكبير لايعنى به أهله ينصرفون عنه ، فأصبح نهبا للغرباء الذين أصبحوا مصدر أذى له ، كما تصبح الجرزان رمزا للخطر المحدق بهذا الوطن فهى تعيث فيه فسادا ، وليس صدفة أن الفار الكبير يستطيع النفاد إلى البيت من خارجه مما يدل على ان البيت اصبح مرتعا للفساد ، والفئران رمز له . اما الإختلاف فيتمثل فى أن الأم هى أم من لحم ودم . وأنها تعانى خراب بيتها الكبير الذى كانت تعيش فيه أجمل أيام حياتها والان أصبحت تتحسر على هذا الماضى الجميل وتعيش حاضرا مؤسيا نفتقد فيه الحنان والتواصل من ابنائها فمن رحل أو هاجر لم يعد ، ومن أعتقل لم يعد مخلفا تراثه الذى يذكر به .
وهذه الأم لاتعبأ إلا بحفظ بيتها من تخريب الفئران ومن حماية أرنبها ومن رعاية إبن إبنها الذى يرتبط بها ولايعبأ بوالديه ولهذا مغزاه أيضا بل أن هذا الإبن يمثل الأمل الوحيد لجدته فى حماية البيت الكبير ، مصر  . ولاشك أن الواقع رغم كونه واقعا إلا انه لا يخلوا من الغرابة والرمزية    
وتكون قصة "ضر س العقل " نموذجا واقعيا لأثر تحكم الزوجة التى تعمل فى الخارج فى زوجها ، وأثر هذا العمل فى الخارج على العلاقة بين الزوجين ، فهى تختار لها صديقا ، وهو يختار بدلا منها ممرضة ، كما لايخلو الأثر من الزواج المبكر للإبنة التى تتزوج وهى دون العشرين دون موافقة الأب ، كما أن الزوج أصبح فاقدا لشخصيته أو قل حريته . والبناء فى هذه القصة يشبه بوجه عام بناء قصته البيت الكبير من حيث الشخصيات من خلال حدث كبير ، ومن خلال تحرك شخصية من الشخصيات فمن خلال حركة الزوج تقدم القصة كلها ، وينتقل الكاتب بين أحداث العرس وبين هموم الزوج إلى أن تنتهى القصة بقراره أن يخلع ضرس العقل الذى لم يعد هناك مفر من التخلص منه . ولكن القصة هنا تخرج على الإطار العام للمجموعة من حيث الرمزية وتغريب الواقع .
أما قصة "رفضوا أن يكونوا " تعتمد على تغريب الواقع فأبطال القصة من الحمير والخنازير ولكنهم يعيشون ويتصرفون كمتجمع آدمى ولهم حاكم طالم باطش لمن يخالفه ، وله من العقوبات مايرضع من تسول له نفسه الخروج على أوامره أو طاعته . و"رفضوا أن يكونوا" خاضعين للإستبداد والقهر والقصة تنتهى بمقتل الساحر بفيضان النهر وإنهيار النظام الفاسد فى هذه المملكة للحيوانات وانهار النظام بكاملة وعادت الحرية لأهله . وهى قصة تبعث على التفاؤل بأن الحرية من نصيب من لايردون الإستعباد ، ويرفضون الديكتاتورية ويحاربونها . وهى تصور أتباع الحاكم الفاسد بأوصاف بشرية .
ومن القصص التى تعتمد تكنيك قصة البيت الكبير قصة " الضوء الحمر " وبها جريمة قتل ويستخدم الكاتب زوجة الرجل المريض كراوية ، ويكون التركيز على الرجل المريض الذى لايتكلم المعالجون له الذين كانوا كأنهم يحاصورنه ، حتى يقضى نحبه ، وفى الوقت نفسه لايستطيع المريض أن يفصح عما بداخله ، والحوار يكون مقتضبا جدا . ويكاد يكون من طرف واحد . وهذا فضلا عن تغريب الواقع ومن خلال الزوجة الراوية وفى زمن قصير من خلاله تصور الزوج ومن حوله من أناس يحاصرونه ، وكأن العملية الجراحية تمثل شيئا آخر ، وأن الحصار حوله ينتقل إلى  ما حول المبنى . ونلاحظ عبارات مثل : قيدوه ولا تجعلوه يتحرك أو قوله : انفجار فى الأعور . أو الحديث عن من يحيطون بالمريض بقول الكاتب عنهم : هزٌَ أصحاب الأيدى المتشابكة . أو إلتفت الأيدى المتشابكة حول زوجى . أو قوله : أو مأ ذو الضحكة الصفراء . وهذا التغريب من شأنه أن يجعل المريض ضحية سياسية ، وليس مريض عادى .
ومن القصص التى يمتزج فيها الواقعى بالخيالى وتعتمد التغريب أسلوبا فنيا ( قصة الإختيار ) وتصور ملكة تحكم شعبا وتسذله وتسخره لتحقيق مآربها وأطماعها . وهذه الملكة تجمع الشباب فى ساحة كبيرة لتختار رجلا تراه أفضل الرجال جميعا ، لتعيش معه رحلة متعة حتى تراه قد إستنفز أغراضه وتجمع الشعب كله والشباب منهم خاصة لتختار رجلا آخر ، ويسلم الزوج الجديد شارته لقديم الذى يكافأ على خدماته السابقة . والرجل الذى تختاره الملكة يسمى ( المعصوم ) وهذا المعصوم يكون وطنيا من الطراز الأول حتى بعد إستبداله بغيره ويعيش منعما جزاء وفاقا على ماحققه  للملكة من متعة ( كا من حقه إدارة شئون البلاد ، يغير ويبدل قوانينها كيف يشاء . الملكة توافقه الرأى دائما . يستمد قوته من قوتها القاهرة . ) صفحة 63
الشعب لايخلع قيوده إلا فى يوم الإختبار لكنه مقيد بقيود كثيرة فالشباب باختصار مستعبدون . يخلعون قيودهم فى يوم الإختيار ، ثم لايلبس بعد أن يتم الإختيار أن يعودوا إلى سابق عهدهم من المذلة والهوان
وبالقصة أيضا المرأة الثمينة الملازمة للملكة كما يقول الكاتب وهى أمينة الملكة ومعصومتها الدائمة . ولابد أن تختار لها هى أيضا معصومها الذى تختاره فى الخفاء فالناس على دين ملوكهم لكن التغريب يلعب دوره والبناء الفنى يرتبط بالموقف فى ساحة الملكة ويعتمد الكاتب على تصوير مايجرى فى هذه الساحة من إختيار معصوم الملكة ، وما يفعله الرجال والنساء ، وما يجرى بحق الشباب الذين جاءوا لتختار الملكة معصومها من بينهم . كما تجرى طقوس تبادل المعصومين القديم والجديد للمواقف والشارات . والكاتب يعمل إلى التغريب ويذكر الغربان المقدسة . كما يتحدث عن معاقبة الخارجين على قوانين الملكة فى الموقف نفسه ولكنهم يفشلون فى القبض على كبيرهم . ويختم القصة بتصوير علاقة بين رجل وامرأته ، ويصوها جسديا كما يتحدث عن بحثه عن المفاتيح ليهرب ولكنه لايستطيع أن يفعل شيئا ، بل إن المرأة تفتح فمها وهو مملوء بالعقارب والأفاعى . وكأن رؤيته لأمرأته تمثل كابوسا وتنتهى القصة بعجزه عن الهرب .
ومن الملاحظ أن قضية الحرية تشغل الكاتب فالناس يعملون فى إستخراج الذهب الذى تتمتع به الملكة ومن حولها وهم قلائل ولكن الشعب يعيش جائعا ، كما أن المملكة تكاد تكون مملكة نساء لامملكة رجال وكأنه يقول لو أنهم كانوا رجالا لحرروا أنفسهم من الذل والعبودية .
أما قصة الوجوه النحاسية ، فتصور رجلا مقهورا تتخلى عن زوجته ، ويتجرع أدوية لعلها هى تزيده مرضا على مرض ، ولكن فجأة وبقوة الإرادة ينهض من فراشة ويستطيع أن يتحرك ، ثم هو بعد ذلك يستطيع الكلام ، وفى النهاية يقرر الخروج من بيته حاملا حقيبته لايتبعه إلا كلبه العجوز ، وبعد أن يفر بحقيبته ينتقل إلى حى آخر مشرق لاتغيب عنه الشمس ، وليس به ذباب ولا فئران ولاقذارة ، وكأن هذا الحىٌَ يرمز إلى الحياة التى يتطلع إليها الرجل . وموضع القصة لايخلوا من التغريب ، وبه كثير من الجزئيات التى فى قصة البيت الكبير كالفئران ، والصور القديمة ومظاهر البؤس والحياة البائسة الفقيرة والوحدة والإغتراب ، كما كانت الأم فى قصة البيت الكبير تعيش وحيدة إلا من وجود إبن إبنها الصغير الذى يملأ حياتها ، وإن كان لها إبن يعيش هو وزوجته معها ولكن دون أن يعيشا فى وئام معها فكأنهما ليسا موجودين .
أما أصحاب الوجوه النحاسية فرمز لقوى قلهرة تتصلت عليه وتريد له أن يموت فى مرضه وقذارته ولكنه بارادته يشفى ويرفض المرض والعبودية ، بل يرفض العيش فى المكان الذى لايجد فيه الحرية والكرامة . والتكنيك فيهما واحد وهو عرض للشخصية  فى حالة او موقف ، ويتفجر من هذا الموقف كل أحداث القصة من محاولة الوقوف أو النهوض من سرير المرض حتى الخروج من منزلة والبحث عن حى جديد يعيش فيه . وهذه القصة لاتخلو من الحديث عن موضوعه المفضل وهو موضوع الحرية وتكنيك قصة ( لحظات طائشة ) وتصور وضع رجل متزوج لاينجب ويركز الكاتب على لحظات معاشرته ، لزوجته ، وهى تصوره لاينجب ، وأثر ذلك عليه ، كما تصور مايحل بالرجل من فقر ، ومن إحساسه بنظرة زوجتنه إليه على أنه رجل خام غير مجرب فى أمور الجنس حتى إنها كانت سيدة الموقف ليلة زواجهما وهو موزع بين أمه المريضة العجوز وبين زوجته ، وكأنه يحتمى بأمه من عجزه عن الإنجاب ، وهذه القصة تشبه فى بنائها قصة البيت الكبير والقصة السابقة وتصوير الشخصية فى هذا البناء تركز على حركتها وهمومها تنتهى بموف تقوم به الشخصية فى نهاية القصة يحتمى به الكاتب من سيطرة أمرأته عليه بأنوثتها وجسدها إذ يحتضن صورة امه ويستغرق فى النوم ، ولكن هذه القصة لاتلجأ للتغريب إنما تعتمد على تصوير الواقع وفى زمن قصير كالقصص السابقة . وقصة ( نباح كلب ميت ) تركز على حلم إمرأة ، وهو حلم دموى ، ولكنه ينتهى بإفاقتها من نومها وتذكرها أو إدراكها أن ما كانت تعيشه كان حلما مزعجا أو كابوسا . وهى أى القصة تركز على الحلم وما رتب عليه من الإفاقة وما يعقبه من مشاعر تتملك الزوجة .
وقصة ( الغول ) قصة جيدة تعبر عن نشر الذعر بين الناس لأنهم يعتقدون أن هناك غولا يمر بالقرية ليلا ويصيب جميع السكان بالذعر ، ولكن شيخ المسجد قرر  أن يكشف الأمر وبالفعل تطوف جماعات بالقرية لكشف قصة الغول التى تكشف عن حمار معلق فى ذيله جرس ويغطى وجهه وجسده بشعر كثيف ، وتكون المفارقة فى ان الحمار هو حمار شيخ المسجد الذى كان قد سُرق من قبل . ولاشك أن للقصة مغزى إنسانيا . والقصة مبنية بناء جيدا إذ يبدأ الحدث من كشف موقف الناس من الغول ، ثم يتور لقرار كشف حقيقته وبانكشاف القصة يكون الحدث قد حل .
وفى قصة ( الغريب ) يثبت الكاتب بطله فى حلم غريب ليستيقظ على نداء الطيار بربط الأحزمة ثم تقدمه مع ما يعترى الطائرة فى الجو من متاعب . ثم ينتقل بعد هبوط الطائرة بالبطل إذ يركب تاكسى ليذهب إلى منزله ولكن الكاتب قبل ذلك يشير إلى أن إخبار بطله كانت قد إنقطعت بعد موت أمه ، لأنه مازال يحتفظ بصورة غير واضحة للطريق الموصل إلى بيتها ثم يتابع الكاتب مشاعر بطله وهو فى التاكسى متجها إلى قريته . ثم هو يصور ذكرياته عند سفره وأمه تتوسل إليه ألا يسافر ، ثم يعيد الكاتب بطله إى سيارة التاكسى والسائق ويصور فى إيجار الطريق الذى يمر به ، وتنعكس رؤيته بالمكان وما حدث به من تغير على نفسه وعلى رؤيته لما حوله وتنتهى القصة وكأنها تشير إلى ان ما فقده بالسفر لايمكن أن يعوضه عما إفتقده بسبب هذا السفر ، وتنتهى القصة نهاية موفقة وهى أنه تذكر أنه أن لم يبتسم منذ أن غادر بلدته أى انه فقد السعادة
( والفانوس ) قصة سياسية تقوم على تصوير تويف الإنتخابات ويبدأ الحدث من وجود فوانيس خطرة من وجهة نظر الحزب المعارض وتنتهى القصة بانتصار المعارضة التى ترمز لها الفوانيس أما قصة ( حتى يكون ديمقراطيا ) فتمثل إسقاطا سياسيا . وتصور مملكة من الكلاب والحمير تؤبن حاكمها الراحل وتختار حاكما جديدا ، ومغزى القصة هو الديكتاتورية لاتبقى حاكا حتى لو كان فى عالم الحيوان .
أما قصة ( الحمار يعرف كل شىء ) فهى قصة جيدة تصور حياة بائسة لعربجى وزوجته وحماره . وتوضح علاقته بالزوجة وبالحمار ، وتنتهى بفرار الحمار وهى من أجود قصص المجموعة لما فيها من عنصر إنسانى ، يؤكد على انه حتى الحمار لا يرضى أن يعيش مستعبدا معذبا .
                                                                    الدكتور / عبد الحميد القط   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق